هذا النوع من الأفلام ليس بالجديد علي الإطلاق بل الفكرة نفسها قديمة وأصبحت بمثابة ثيمة مُبتذلة بعد صدور العديد من الأفلام التي تدور حولها. مثل فيلم (Spider-Man: No Way Home) و سلسلة الأنيميشن كذلك المرتبطة بنفس الشخصية (Spider-Man Verses) لكنها مع ذلك تظل منطقة غير مألوفة بالنسبة للإنتاجات السينمائية العربية والمصرية. المفهوم الخاص بهذا النوع من الأفلام أصبح مُعتاد لدرجة الابتذال في السينما الأمريكية لكن هنا في السينما العربية فهو جديد نوعاً ما.
فيلم "فاصل من اللحظات اللذيذة" الأمر مختلف نوعاً ما فالفكرة الأصلية تمزج بين الخيال العلمي والنظريات الزمنية الكونية لكنها هنا دراما إجتماعية بطابع كوميدي غالب حتي وإن كانت تفتقد للأصالة. لذلك قد تكون القصة مألوفة للبعض في فكرتها لمن شاهد فيلم (Everything everywhere all at once) من إنتاج إستوديو A24 والذي صدر عام ٢٠٢٢ والذي نال العديد من الجوائز. وكذلك جديد من نوعية تقديمه فهذا ليس عمل عن بطل خارق أو عن قصة فانتازيا درامية تسبح فيها النظريات العلمية. الأمر مختلف هنا. الأسئلة نفسها تظل موجودة لكنها تختلف في أنها معروضة في إطار إجتماعي كوميدي. فيلم "فاصل من اللحظات اللذيذة" يدخل بشكل مباشر ويقتبس الفكرة كلها وليس مجرد فواصل في تناولها. حتى وإن تنوعت أوجه التشابهه بينه وبين أعمال أخرى مختلفة. فيلم "فاصل من اللحظات اللذيذة " يقف على نفس البقعة والركيزة الأساسية من الفكرة والحبكة مع فيلم (Everything everywhere all at once ) مع إختلاف الطابع الكوميدي والدرامي بالطبع بينهما. الفيلمان مُتشابهان كثيراً في العديد من الجوانب مثل العلاقة الزوجية والحياتية بينهما وبين طفلهما والحياة التعيسة المليئة بالفشل والمصاعب والفوضى.
سبب ذكري وربطي بين هذين الفيلمين بالتحديد هو أنني لا أرى فيلم أخر مُشابهه لفيلم "فاصل من اللحظات السعيدة " أكثر منه الحقيقة. وأتعجب من ربط بعض الجمهور بين شخصية "هشام ماجد" في الفيلم وبين شخصية الممثل "واكين فينيكس" من فيلم Her حيث لا يوجد أي تشابه بين الفيلمين أو حتي بين الشخصيتين سوي الشارب على حد قول مؤلف الفيلم "شريف نجيب". وأما أوجه التشابه بين الفيلم وفيلم Barbie الذي صدر العام السابق فهما ليسا كذلك إلا في الألوان المستخدمة في التكوين البصري في مشاهد العالم الموازي. الفكرة قد تكون نمطية أو مُبتذلة بالفعل لكن المخرج "أحمد الجندي" قدمها بشكل رائع. هذا لا يعني بالضرورة أن المجهود المبذول في الفيلم كان متوقف على هذه الفكرة فقط لأن كان من الممكن يكون قائم علي فكرة مختلفة ولن يضر هذا بالبناء الدرامي الخاص بالفكرة الأساسية من الفيلم وطرحه لقصة إجتماعية درامية في شكل كوميدي خفيف.
القصة تدور حول زوجين "هشام ماجد" والممثلة "هنا الزاهد" واللذان يعيشان حياة زوجية تعيسة مليئة بالأزمات لكن يحدث أمر غير متوقع ليغير حياتهما لشكل أخر مختلف تماما عن السابق. تبدأ القصة حين تُفتح بوابة زمنية بين البُعد الأصلي وبُعد أخر مختلف. لتبدأ رحلة مليئة بالمفاجأت والمفارقات المضحكة الفوضوية. بطلها المهندس المعماري "هشام ماجد" والذي يعيش حياة بائسة وأمور غريبة غير طبيعية في منزل في وسط حي شعبي عشوائي لا تجري فيه الأمور بشكل منتظم. ويجد ضالته في التغيير في الإنتقال لكون موازي آخر ونسخة أخرى منه مختلفة عنها تماما ، فهي ناجحة وتعيش حياة سعيدة في منطقة راقية. وتقوم القصة بشكل أساسي على أسس عادية وطبيعية خاصة بالثقافة المصرية الأسرية. زوج فاشل إجتماعياً ووظيفيًا وزوجة ساخطة طول الوقت وتطلب منه الطلاق وتهدده بالخلع منه. وطفل مُشاغب لا يهدئ أبداً وفاشل دراسيًا. خلطة وتركيبة قد تكون متشابهه بنسبة ليست بالقليلة مع الحال الأسري لأي أسرة في حي شعبي تحاول الهروب من واقعها المزري التعيس.
المؤلف "شريف نجيب" والذي يظل فيلم "لا تراجع ولا إستسلام" أهم علامة في مسيرته الكتابية. يعود بكرة فاقدة للأصالة لكن مع إعادة تدوير بطريقة جذابة. وحين يجتمع بالتحديد مع مخرج متميز في الأعمال الكوميدية مثل "احمد الجندي" ويظل فيلمهما "سيما علي بابا" هو الأنجح كذلك. ليقدما لنا كوميديا من نوع ذكي تعتمد قي الأساس علي فكرة المزج بين الثقافة الأمريكية (الهوليوودية) وبين العقل الجمعي للمشاهد المصري. هنا تحدث المفارقة ويتم خلق النقيض والمقارنة بينهما. الشخصيات والموازي لها بين العالم الواقعي والعالم الموازي لتعرض التناقض الصارخ بينهما. وخلق الكوميديا عن طريق السخرية منهما. نوع الكوميديا هنا موقفية بشكل رئيسي أي أنها تنبع من المفارقات المضحكة الفوضوية الساخرة التي تدور في المواقف بين الشخصيات. المقارنة بين حياة تعيسة وحياة جميلة. المفارقة هنا حول كل شئ. المكان والزمان ، بين عالم واقعي وعالم موازي. رغم العديد من الملاحظات عليه في إهمال التنوع في الإنتقال بين الممثلين في المشاهد الكوميدية الموقفية. إلا أن الفيلم كان بمثابة إختيار مثالي لفكرة "فيلم العيد" الناجح. من ناحية الإيرادات ومن ناحية الجودة الفنية أيضاً.
من الناحية الإخراجية فالمخرج "أحمد الجندي" نجح بجدارة في خلق عمل بصري جيد جداً. وونجح في عرض التناقض بين العالمين ؛ الموازي والعالم الأصلي. ونجح في أن يُضيف لكل عالم اللمسات الخاصة به. كذلك كان هناك دور هام للموسيقي في الفيلم ومن العوامل البارزة فعلاً فيه كيف أنها كان لها التأثير الأكبر في إيقاع الإنتقال بين العالمين. فكرة إستخدام موسيقي قديمة من الثمانينات في مشاهد العالم الموازي حتي لو لم يكن معلوماً لنا بالتحديد في أي زمن تدور الأحداث. لكن في العموم الموسيقي كانت فعالة بشكل كبير في خدمة الكوميديا والمشاهد المتنوعة في الفيلم وبالأخص مشاهد الشجار بين "صالح و درية".
يمكن القول بأن المفاجأة الكبري بالنسبة لي في الفيلم هو أداء الممثل "محمد ثروت" والذي كان بمثابة قنبلة موقوتة من الكوميديا والضحك وكأنه يصطاد الإفيهات كفريسة. حتي لو ظهرت علي أنها طبيعية منه أو معتاده. لكنها كانت بارزة لتبين الإختلاف بين الشخصيتين في عالمين مختلفين. كذلك الطفل "جان رامز" والذي كان مفاجأة هو الأخر وظهر وكأنه متمكن من الشخصيتين حتي مع صغر سنه. في المجمل الفيلم ناجح وجيد من الناحية الفنية ، هل يمكن القول بأنه من أفضل أعمال "هشام ماجد" ؟ نعم بكل سهولة. يمكن القول بأنه من أفضل أعمال كل من شارك به. حتي وإن لم يستغل كل الجوانب والعناصر بشكل كافي لكن أجوائه المضحكة كانت كافية للتغطية علي كل الملاحظات. فيلم "فاصل من اللحظات اللذيذة" عبارة عن نوع أخر من فكرة الأكوان المتعددة لكن بنكهة مصرية كوميدية إجتماعية جميلة تستحق الإحتفاء بها. فيلم إجتماعي يثير الضحك من الدرجة الأولي.
تعليقات
إرسال تعليق